الأحد، 7 أغسطس 2011

مبادرة مصالحة وطنية

 أحمد نظير الأتاسي
سوريا على مفترق طرق ويجب على كل إنسان أن يختار وبترو بأن يسال نفسه التالي: هل أريد أن أعيش مع هؤلاء الناس يصيبني ما يصيبهم؟ أم أني أريد أن لا أرى وجههم بعد الآن؟ أم أني أريد أن أستعبدهم إما بقوة المال وإما بقوة البسطار العسكري؟ المسألة مسألة إتفاق، والعقد شريعة المتعاقدين. فإذا أردنا أن نعيش معاً بكل طوائفنا التاريخية وقومياتنا وثقافاتنا فعلينا أن نؤمّن حرية الإعتقاد بقوة القانون وبالمساواة أمامه، وأن نفسح المجال للجميع للمشاركة السياسية والإقتصادية والثقافية بضمان تكافؤ الفرص؛ لا أكثر ولا أقل: القانون، الحرية، المساواة أمام القانون، تكافؤ الفرص في جميع المجالات. مهما كانت حضارة المجتمع ومهما كان نظامه الإقتصادي أو الإجتماعي أو السياسي فهذه هي مكونات العدالة التي لا يكون العيش المشترك المتناغم ممكناً دونها. الأزمة في سوريا الآن لن تنحل إلا بالمصالحة والمصارحة والتعاقد الإجتماعي.

نعم النظام ديكتاتوري وجرّ الطائفة العلوية معه لكن التأزم الإجتماعي ليس وليد البارحة وليس من صنع النظام وحده. إن التأزم وليد قرون من التعامل المجحف مع فئات واسعة من المجتمع تتعدى حدود الأقليات الدينية أو القومية وإن كانت هذه الأقليات إحدى أهم مكوناتها. مسألة ملكية الأرض الزراعية قديمة، ولم تنجح لا تنظيمات العثمانيين ولا محاولات الفرنسيين ولا تأميمات عبد الناصر ولا إصلاحات حزب البعث في حلها. مسألة أهل الذمة ونظام الملة العثماني ودخول الفرنسيين على الخط لم يؤد إلا إلى مجازر 1860 في جبل لبنان ومن ثم في دمشق وحلب. وصراع العثمانيين مع الصفويين ووضع العلويين في ملة الكفر (آسف لكن هذا كان وضعهم الإداري ذاك الزمن) كانت نتيجته عداء لا ينتهي بين الجبل والسهل أو الساحل؛ وكانت عقوبة العلوي حين يُلقى القبض عليه مثل عقوبة البدوي الغازي وهي الخوزقة (الحقيقة مرة). دويلات الفرنسيين الطائفية لم تنجح في حل الأزمة وإن سمحت للعلويين بفك العزلة المضروبة حولهم؛ وتنسيب الأقليات والفلاحين في القوات الخاصة الفرنسية لم يجلب إلا سخط أهل المدينة من السنة؛ وإعدام شكري القوتلي لسلمان المرشد لم يكن إلا تركيعاً للعلويين لسلطة دمشق (وفعل القوتلي الشيء ذاته مع الدروز وكذلك الشيشكلي). طبعاً هذا غير العداوات الإقليمية التي جاءت نتيجة عزل حلب عن محيطها وإلحاقها بسلطة دمشق، وعزل دمشق عن محيطها الذي كان فلسطين والأردن، وعزل الجزيرة عن امتدادها الفراتي الطبيعي الذي هو العراق وجنوب تركيا لأن الإنكليز والفرنسيين كونوا الدولة السورية حسب مصالحهم خلال وبعد الحرب العالمية الأولى. سورية أمة لم تتكون تاريخياً لأنها أرادت أن تتكون؛ سوريا أمة تكونت من تقطيع أوصال أنظمة إقتصادية وإجتماعية ورميها مع بعضها ضمن حدود واحدة. لكن آن الأوان الآن لتشكيل الأمة السورية برضا أبنائها وبموافقتهم على العيش المشترك والتكافل.