الخميس، 29 ديسمبر 2011

حرب مفتوحة على شعوبهم

خوان غويتيسولو – صحيفة ال باييس الاسبانية
ترجمة : زياد حدرامي الأميني

في أعقـاب مـا جرى لعائلة مبـارك ( الجريمة و العقـاب ) و بـن علـي و ليلى الطرابلسـي ( جريمة بدون عقاب ، و استبدالها بتقاعد من النوع الراقي ) ، فإن الطغاة العرب يتشبثون بكراسيهم الرئاسية بشكل أكثر قوة من أي وقت مضى ، و بعناد يفرض اختياراً بين الموت و البقاء .  بقاؤهم هم و موت الآخرين .

رغم كونه جريحاً و مشوهاً بالنار ، فإن الرئيس اليمني ، علي صالح ، يعلن قرب استرداده لعافيته  و عودته إلى البلد الذي خرج منه منقولاً بالإسعاف الى المطار من أجل الاستشفاء في العربية السعودية . و في ليبيا الغارقة في فوضي الحرب ضد المدنيين التي لا توفر أحداً أو شيئاً ، يعاود  القذافي  الظهور بين الحين و الآخر على الشاشة من أجل أن يهدد من جديد " الجرذان " ، رغم أنه تخلى في الوقت الراهن عن الموديلات الفخمة و الشاذة  في خزانة ملابسه . و الخياط الخاص به ، يعاني من بطالة مؤقتة ، و ينتظر بصبر  طلبيات جديدة للقائد المتحصن في ملجأه المرفّه المزود بالهواء المكيف .

لكن المثال الأفضل للعناد و الإصرار على التمسك بالكرسي الرئاسي هو الخاص ببشار الأسد ، خليفة والده الجدير فيما يخص تعامله مع شعبه . فواحدة بعد الأخرى ، تُدَكُّ المدن التي تُشَكِّل خارطة سوريا بدون رحمة من قبل مدفعيته و الدبابات و الحفّارات و الطائرات المروحية المزودة بالمدفعية ، و في حالة المدينة الساحلية اللاذقية ، السفن الحربية . و يكمل القناصون المتموضعون في نقاط استراتيجية المهمة القاتلة  . عدد الضحايا لا يهم .     ما يهم هو تلقين درس مستحق  لأولئك الذين ينتفضون على طغيان عائلة نصبت نفسها على الأطلال الايديولوجية للقومية العربية  و الاشتراكية الثورية لحزب البعث .

لكن على خلاف الأسد الأب ، الذي سحق بالدم و النار ثورة حماة في 1982 دون أن   ينتشر خبر المذبحة بفضل الرقابة الحديدية على وسائل الإعلام ، فإن فيديوهات الهواتف النقالة و الشبكات الاجتماعية تنشر يوماً بيوم التدمير عديم الرحمة لدرعا و حماة و حمص و دير الزور و اللاذقية ، و كل المنطقة الحضرية لإدلب .  من يستطيع أن يصدق بلاغات الوكالة " السورية " الرسمية للأنباء عندما تتحدث عن الخارجين عن القانون و قطّاع الطرق الذين ينصبون الحواجز و يرهبون الأهالي ؟ " . الصور التي تصل عبر الفيس بوك و تويتر و قناة الجزيرة القطرية تظهر الآلاف و الآلاف من المواطنين الذين خلعوا ربقة العبودية و يلوحون بلافتات و يترنمون بشعارات مماثلة لتلك الخاصة بأخوانهم  العرب من الخليج إلى المحيط . " هــل كل هؤلاء من الخارجين عن القانون و قطاع الطرق ؟ ". إن من يطلقون النار ، من دون وجود أي خطر ، على المواكب الجنائزية ، ويحاصـرون فــي الملـعب الرياضي في اللاذقية آلافَ المعتقليــن وفــق نمــوذج بينوشــيه ( دكتاتور شيلي السابق ) ، و لا يترددون في الهجوم على مخيمات اللاجئين الفلسطينيين البائسة ، هل يمكن أن يكونوا متآمرين و مرتزقة قادمين من الخارج من أجل تعكير صفو  شعب مسالم و وفي ؟

أتذكر أنه عندما بدا أن انهيار الاتحاد السوفييتي يبشر بنهاية مشابهة لنظام فيديل كاسترو ، فإن القائد الأعلى أدلى بتصريح بطولي عنيد أدهشني : " أفضِّل رؤية الجزيرة غارقة بكل قاطنيها على التنازل عن منجزات الثورة ". و بصرف النظر عن هذه المنجزات في ضوء ما آلت إليه اليوم ، فهل هناك من دليل أفضل على حب الشعب من إبادته في سبيل تحسينات تربوية و اجتماعية ؟ لكن الأسد لا يتحدث حتى عن هذا ، و إنما عن حماية  سلام فريد من نوعه : سلام المقابر.

رغم الإغلاق المحكم للحدود أمام الصحافة الأجنبية ، فقد شاهد عشرات الملايين من مشاهدي التلفزيون بشكل مباشر عذابَ حماة ، و المذبحةً التي أعقبت الاحتجاجات التي انطلقت في درعا على إثر الموت الفظيع لفتىً في الثالثة عشرة من عمره  بسبب جريمة رسم على الجدار ضد الطاغية . إن الابتسامات و وعود التغيير الديموقراطي للأسد ، المهلَّل له من تابعيه الأبديين ، و صور التلفزيون الحكومي عن الحياة الطبيعية السائدة في طول البلاد و عرضها بينما الشقيق الأصغر قائد الحرس الجمهوري و الفرقة الرابعة المدرعة يستمر بأعمال التطهير ، إنها لا تخدع أحدا . السجون تفيض بالمعتقلين ، الشباب يتعرضون للتعذيب الوحشي في مراكز الشرطة و المظاهر الحربية التي تحدث يومياً  تذكرني على نحو متزايد بتلك التي  شاهدتُها في سراييفو . يتلو الأسد التعويذة التي كان قد سبقه إليها طغــاة كانوا في هــذا العالم : " لا تصدقوا ما ترونـه بأعينكم ، صدقوا ما نخبركم به  " .  لسوء حظه الشديد ، لا أحد يصغي إليه .

ليست هناك تعليقات: